
رغم ما بدا من اهتمام أميركي متأخر بالأزمة السودانية بعد اندلاع الحرب في أبريل 2023، فإن هذا الاهتمام لم ينبع من خصوصية المسألة السودانية بقدر ما عكس سعي الولايات المتحدة لتعزيز حضورها الاستراتيجي في إفريقيا، خصوصاً في الدول الغنية بالمعادن الأرضية النادرة الضرورية للصناعات التكنولوجية والدفاعية. وهو ما يفسّر دورها النشط في ملف الكونغو، لكنه يسلّط الضوء على سطحية تدخلها في الملف السوداني.
النهج الأميركي اعتمد على دعم أطراف خارجية ذات مصالح في السودان، مثل “مجموعة الرباعية”، متجاهلاً الفاعلين المحليين الحقيقيين. وهذا ما أفرز مقاربة تتسم بالاختزال والتبسيط، وتغض الطرف عن جذور الأزمة العميقة المرتبطة ببنية الدولة السودانية منذ تأسيسها.
إن الأزمة السودانية ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج تراكمات سياسية واقتصادية وهيكلية تمتد من الثورة المهدية إلى تهميش الأقاليم، وفشل النخب في بناء دولة المواطنة. لذلك، فإن أي محاولة للحل يجب أن تنطلق من إعادة هيكلة الدولة على أسس فيدرالية، تتيح توزيعاً عادلاً للسلطة والثروة، وتعالج قضايا العلاقة بين الدين والدولة، والمشاركة السياسية والتنمية.
من جهة أخرى، لا يمكن الحديث عن حل جذري دون إبعاد القوات المسلحة وقوات الدعم السريع والحركات المسلحة من المشهد السياسي. ويجب أن ترافق ذلك عملية تنحي شامل للقيادات العسكرية الحالية، ودمج القوات في مؤسسة وطنية موحدة تخضع للمساءلة.
كما ينبغي أن تُدار الفترة الانتقالية عبر مجلس رئاسي توافقي، بعيدًا عن الصيغ التقليدية لرئاسة الوزراء، وأن تستند المرحلة القادمة إلى حوار وطني سوداني شامل لا يُقصي أحدًا، باستثناء من ارتكبوا انتهاكات جسيمة.
أي محاولة لإعادة إنتاج التحالفات بين الجيش والقوى السياسية أو الدعم السريع لن تفضي إلا إلى استقرار هش، وعودة قريبة إلى الانفجار. أما الحل الحقيقي، فهو ما يبدأ من الاعتراف بفشل الماضي، والانطلاق نحو إعادة تأسيس وطن يقوم على الفيدرالية، العدالة، والحكم المدني.
باحث وكاتب في قضايا والصراعات والأمن في افريقيا